ينتخب الشعب رئيس الجمهورية ثم يعين الرئيس بمفرده الحكومة، ويشترك الرئيس والحكومة معاً فى رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة وفى تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك نظير مرتبات ثابتة لا تتغير طوال المدة الرئاسية الواحدة ولا يحق لهم أثناء تولى مناصبهم مزاولة أية مهنة حرة أو عمل تجارى أو مالى أو صناعى، أو شراء أو استئجار شىء من أموال الدولة، أو تأجيرها أو بيعها شيئاً من أموالهم أو مقايضتهم عليه، واعتمد الدستور على مجلس الشعب فى مراقبة التنفيذ وتقييم أدائهم وتحديد مدى نجاحهم أو فشلهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية ورعاية مصالح الشعب رعاية كاملة.
أما الشعب مالك البلد ومصدر السلطات وصاحب الثروات والمستفيد الوحيد من الخدمات، فينتهى دوره تماماً عند انتخابات مجلس الشعب والمجالس المحلية التى تملك ترشيح الرئيس الذى تريده، وهنا يفقد الشعب كامل حقوقه بموجب تنازله عنها للنواب الذين انتخبهم طوال مدة الرئاسة وعمر المجلس إلا إذا قرر الرئيس إجراء استفتاء للشعب.
لذلك وجدت الحكومة مجالاً واسعاً لتبرير أخطائها وتصوير فشلها كأنه نجاح والتعبير عن الإخفاقات بالإنجازات، واللعب بالكلمات والعبارات على كل الأوتار، ويخيل للمتابع للتصريحات الرسمية أننا نعيش أزهى عصور النهضة ولو كان الكلام طعاماً وشراباً لكنا شبعنا وارتوينا، ولو كان الكلام دواءً وكساءً ما مرضنا ولا تعرينا، ولو كانت المعانى صادقة والنوايا ناطقة لعادت مصر أماً للدنيا، ولهبط أليها البشر ليجد كل منهم ما يتمنى، ولكن مصر الحديثة مكلومة فى أبنائها محرومة من خيراتها، فمنذ سنين طويلة تنهال علينا كلمات "غضة" تبشر بالخير الوفير والعيش الرغيد، ثم تمر أعمارنا ويكبر الأطفال ويشيخ الولدان، وأحوالنا تسوء يوماً بعد يوم، الفقر والضنك يذلان الأعناق، والمرض والجهل يدكان الأجساد، والظلم والخوف يقهران النفوس، ومازال حكامنا يقولون نفس الكلام، فمنذ بداية الثورة كان مشروعها الثقافى الوطنى يعتمد أساساً على كسر الاحتكارات الرأسمالية والانتصار للفقراء وتذويب الفوارق بين طبقات الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية، ثم جاء زمان قيل فيه إن هذه العدالة الاجتماعية هى التى أشعلت نيران الصراع الطبقى فى مصر، وأثارت الحقد والبغضاء والحسد بين الأغنياء والفقراء فلم يصبح هؤلاء آمنين بما رزقهم الله ولا أصبح أولئك راضين بالقسمة والنصيب! وهكذا عادت الاحتكارات أكثر مما كانت وزادت أعداد الأغنياء راكبى الطائرات الخاصة والسيارات الفخمة، وزاد معها نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى 43% من السكان، ويقول البنك الدولى إنها أعلى نسبة بين الدول النامية، أما نسبة من يعيشون حول خط الفقر فتصل إلى 70% ويتقرب عددهم من 55 مليوناً منهم حوالى 40 مليوناً حول سن الشباب، وكلهم يسمعون كلام الحكومة كل عام عن رفع الأعباء وتوزيع الثروات وخلق فرص عمل ورفع الأجور وبناء مساكن للشباب وتوفير مستلزمات الفقراء من خبز وزيت وسكر وبقوليات ويرون المؤتمرات تعقد كل عام لنسمع فيها نفس الكلام، ولكنهم يرون أيضاً وحش الفقر يفترسهم. وقسوة المعاناة تهلكهم، وأطفال الشوارع ما أطفال الشوارع بؤس صارخ ويأس جامح، وبيع أعضاء من الجسد ليأكل باقى الجسد، كل هذا بينما الحكام لا يزالون يتكلمون ويتكلمون ولعلهم لا يدرون أن كلماتهم أصبحت عسيرة الهضم صعبة الفهم لا تسمن ولا تغنى من جوع، وأننا لم نعد ننتظر منهم سوى كلمات الوداع ولا نريد منهم سوى الرحيل، فلم يعد هناك من يصدقهم حتى قومهم من الآكلين الشاربين اللابسين المسافرين الغانمين، أصحاب المصانع والمزارع ملاك الأراضى الواسعة والقصور الفارهة، فلم تعد حيلهم الجديدة تنطلى علينا، ولعل نكتة الصكوك الأخيرة خير شاهد على العقول الخاوية لهؤلاء الأشياع، وهو أمر لا نتعجب صدوره من جيل شاب قليل الخبرة فرح بالسلطة سكران بالثروة نشوان بالنعمة، ولكن العجب الحقيقى هو موافقة كبار الأعوان على حكاوى الأطفال هذه ولو أننا نرصد صمتاً من بعضهم وتربصاً من شيوخهم، ونحمد الله تعالى أن هذا الحجر مازال فى حجر الرامى، ونتمنى ألا يقذف فى وجه هذا الشعب المسكين الذى أخذوا منه المليارات قسراً ثم يعطوه اليوم الملاليم عسراً، فكأنهم يأكلون لحم شعبهم ثم يتركونه عظماً على عظم.
لماذا لا يعود زمام الحكم كما كان فى بداية الثمانينيات الماضية، عندما كان كلام الحكام عن نظافة اليد وطهارة الحكم يجب أن ترفع هذه الرايات البيضاء من جديد حتى تهدأ هذه الأمواج المتلاطمة من الاحتقان والغضب بين الناس، نحن ندق الأجراس لمن يسمع ويدرك، عودوا إلى رشدكم، نظفوا ثوبكم، ثم ارحلوا آمنين مطمئنين قبل أن تنهار بكم القواعد وتشتد عليكم السواعد وتتقطع أمامكم سبل العودة الحميدة.